د. محمد الشريم 22/4/1429
28/04/2008
لا يكاد يخلو مجلس يجتمع فيه آباء إلاّ ويتناولون موضوع صعوبة تربية الأبناء في هذا الزمن الذي كثرت فيه وسائل الفساد، بل إنها أصبحت تغزونا في عقر دورنا دون أن تطرق أبوابنا، مما يجعل عبء التربية ثقيلاً جداً على كواهلنا.
ولو سأل أحد صاحبه: ما السبيل إلى التربية السليمة؟ لانهالت أفكار كثيرة تصعب الإحاطة بها جميعاً، ولكن من هذه الأقوال التي يردّدها كثيرون للوصول إلى تربية ناجحة، القُرب من الأبناء بإمضاء بعض الوقت معهم ومحادثتهم عن همومهم وتطلُّعاتهم.
ولكن المسكوت عنه غالباً، وهو عامل مهم في نجاح مهمة الأب في الاقتراب من أبنائه، هو: كيف يحقق ذلك الوقت الهدف المرجو من قضائه معهم؟ بعض الآباء يقيس ذلك الوقت بالساعة، بل بالدقيقة! فما دام أنه يجلس ثلاثين دقيقة معهم يومياً فإنه قد أدّى ما عليه، على الرغم من أنه قد يكون أمضى تلك الفترة في عمل بعض الاتصالات، أو قراءة رسائل الجوال والرد عليها، وربما جلس يتصفح الجريدة. فهو قريب منهم جسمياً لكن عقله وروحه بعيدة عنهم أيّما بعد.
والأسوأ من ذلك أن بعض الآباء يجلس متجهماً صارم التقاطيع، وكأنما هو في مأتم. فإذا توجه أحدهم لسؤاله أو طلب شيء منه نهره وأخرسه بصرخة تقشعر لها أبدان بقيه أطفاله؛ فلا يجرؤون على محادثته. حينها سيشعر الأطفال بأن غياب أبيهم خير من حضوره الذي يكتم على أنفاسهم، وربما يزيدهم نفوراً منه.
الوقت المتميز الذي يحتاج الأبناء قضاءه مع أبيهم هو ذلك الوقت الذي يكون فيه مرتاحاً منشرح الصدر، بعد أن يكون تناول غداءه ونال قسطاً من الراحة. يأتي إليهم وليس في يديه أعمال أخرى، يستمع لشكوى هذا وطلبات هذا، ويجيبها بلطف وهدوء، وإن رفضها فالابتسامة الحانية تهدئ نفس الابن مع بيان أسباب الرفض ليقتنع بنظرة والده. كما أنه من الضروري أن يمازح هذا ويُجلس الآخر في حضنه، ويلاعبهم ويضحك معهم.
قد يقول قائل: ليس عندي وقت لهذا كله، فأنا مشغول! وبعيداً عن دقة هذا القول من عدمه، فإن سيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- كان مشغولاً بهموم الأمة كلها، ولكنه وجد الوقت ليلاعب الحسن والحسين -رضي الله عنهما- بل كان يحملهما على ظهره الشريف. فمن منا أكثر شغلاً من نبي الأمة عليه الصلاة والسلام؟ ولكن ما نخشاه أن تكون الرحمة قد نُزعت من قلوب بعض الآباء!